قد تتضمن مسألة الحوار ؛ مضموناً إنسانياً يتعلق بشخصية الإنسان في مجال نطاقه الاجتماعي، الذي يكون الشخص فيه موجودا مع الآخرين، والذي تكتمل فيه أفكاره ومناهجه وحتى حركاته، جميعها مشتركة ومتنوعة الأساليب، سواء بعواطفها، أو بعقلانيتها.
وهنا يكمن الفرق بين الذي يريد العيش داخل قوقعته وينكمش على ذاته، أو الذي يريد أن ينفتح على المجتمع بأفكاره وحركاته وشعوره كشخص يريد أن ينجذب له الآخرين ويتم تبادل الأفكار مع غيره، فهو بحسب نوع حواره ؛ يناقش ويجادل ليعطي الطرف الأخر بعضا من أفكاره وخصوصياته في تفاعل بينهما سواء تفاعل روحي، أو عملي، وهنا يمثل لنا الحوار المحرك الديناميكي لكل ما ذكر والمظهر الاجتماعي للفرد.
فجميع المسائل الحياتية تحتاج إلى الحوار، والأهم من ذلك تحتاج إلى الحوار الإنساني الإيجابي، الموصوف باللين والصدق والصبر، المتمثل بالفكر العقلي الهادف، الذي يدعو إلى كل ما نادى به الإسلام و قيمهُ في القرآن، فالحوار هو المراجعة في الكلام والتحاور بمنطق ولطف ويكون الكلام عن طريق المخاطبة، و تعني الكلام بين شخصين، والتحدث بينهم، أو بين مجموعة من الناس يتحدثون بطريقة مرتبة وبأدب وهدوء وأسلوب بينهم دون عداوة أو خصومة (زمزمي1994 بتصرف)، لأن الهدف من الحوار تقارب الأفكار وتلاقح الثقافات وتناغم العواطف والاتفاق نحو هدف ما اشتركنا فيه كزوجين كتربية أطفال أو علاقة حميمية أو تشاور بخصوص عمل أو أي شأن من شؤون الزوجين، لذا ليس من الطبيعي أن تتحول كل حواراتنا إلى إنفجارات انفعالية وخصومة وزعل ونكد كما يحدث أحيانا كثيرة بين بعض الأزواج .
فوجود الحوار بين الزوجين يعتبر وسيلة ناجحة توضح أو تُوصِل بها فكرة، أو تعالج وتصحح شيء.
فالحوار الزوجي يعد قاموس الحياة الزوجية، والعمود الفقري للسعادة الزوجية، طالما أنه مبني على احترام كل منهما لرأي الآخر، فعندما يكون هناك حوار زوجي بين الزوجين يتولد التفاهم الأسري، الذي يعين البيت على التغلب على مصاعب الحياة، واستقرار الأبناء، الذين هم النواة الأساسية للمجتمع الذي ينمو الأطفال في رحابه.
فالزوج والزوجة هما عمود الأسرة والمقوم الأساسي للحياة لتكوين العائلة، ومما يؤدي إلى التوافق بين الزوجين ؛ معرفة مهام كل منهما لدوره في هذا المجتمع، والتحدي لمواجهة أي مشكلة، سواء كانت هذه المشكلة اجتماعية أو غيرها، وكيفية مواجهتها، وأساليب المواجهة، والتعبير للآخر عن مشاعره وأحاسيسه، كل ذلك يندرج تحت الحوار الزوجي الذي لابد أن يتمتع بسعة الصدر، وتقبل الرأي ومحاولة استيعاب الطرف الآخر واستخدام الأسلوب الهادي وهو أساس الحوار.
فالحوار في منطلق القرآن و منطقه أنه يجب أن يرتكز على معيارية (الحق)، لا يتخلى عن هذا المعيار و لا يفارقه، و في أي ظرف من الظروف يجب أن تتجلى فيه المودة والرحمة فإن لم تظهر في الحوار بين الزوجين مغلفة بالدعابة واللطافة والظُرف والحب ؛ فأين إذا ً ستتجلى معاني وقيم العلاقة الزوجية أفضل من الحوار وأين سيجدان موضع يكتمل فيه تناغم علاقتهما العاطفية بل إن نقص التناغم بينهما سيصبح ظاهر لهما !! ، قال تعالى في كتابه ” وَ مِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَق َلَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” الروم 21.
كذلك الحوار الزوجي عليه أن يتسم على معايير تحكمه، كالابتعاد عن الانفعال وتصيد الأخطاء أو سوء الظن وطريقة الحوار وأسلوبه وهيئته تعتمد على العقل والمنطق، تلتزم بالموضوعية والتفاهم والدقة والتعبير بأُلفة ومودة ؛ لأن الحوار الذي يفتقد لهذه المعايير أحق أن لا يتبع.
فليعلم الزوجين بأن الأسرة والوطن والأمة بحاجة لنجاحهم في الحياة … فل يتحاورا بصدق، ويتشاورا بعفوية ولكن عفوية مدروسة منضبطة غير مندفعة أو مجازفة بالعبارة، وليكن كلاً منكما نموذجاً فريداً في حسن التأدب وحسن التبعل، فالحوار جميل حين يلفه الهدوء، والذوق، والإحترام، والتنبه حتى لادق تفاصيل جلسة الحوار من وضعية الجلوس ولغة الجسد والنظرات والعبارات والابتسامة واللمسة والإحتضان و نبرة الصوت؛ حتى يبحر في العطاء إلى أن يلامس أعلى مستوى منتقلا ً بتأثيره إلى التماسك الاجتماعي بين أفراد المجتمع، مرورا ً بجني الثمار في أولادكما قبلاً بتتبعهم خطواتكم في تناغم الحوار، وتحقيق المقاصد النبيلة (السكن والمودة والرحمة).
إن الحوار يعتمد أيضا على ثقافتكما فاعتنيا بها كي تجدا أرضاً خصبة في حواركما المتجدد، واعتنيا بالأهداف المشتركة أي ما يجمعكما من إهتمام وهوايات وأمنيات، حيث أنها تدعم التناغم في حياتكما الزوجية وتسهم في خلق مواضيع متجددة بصورة دائمة، فليس هناك أجمل من البقاء في مستوى متقدم في الحوار حيث أن الحوار قابل للتطوير والتحسين كما هو قابل للإنطفاء والإضمحلال مما يقود إلى الصمت والجمود وهما لا ينبغيان بين الأزواج فالصمت الزوجي أحد أسبابه اضمحلال الثقافة وانعدام الاهتمامات المشتركة فحصِنا علاقتكما دوما ً كل ما انحدر المؤشر مشيراً إلى اتجاه الخطر ولا تنتظران صفارات الإنذار المتأخرة فالعلاقة الزوجية لا ينبغي أن تكون متارجحة فهي تنمو في الاستقرار والثبات .
وختاما هذه سطوري قد وضعتها بين أيديكم الكريمة، أتمني أن تنفعكما وتسعدكما.
التعليقات 4
4 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
ابو خالد
16/12/2018 في 9:28 م[3] رابط التعليق
مقال ملفت في عنوانه و جميل في مضمونه انيق في عباراته ، فكر عميق ، و خبرة و دراية واضحتين ،كل الشكر والتقدير لك استاذه فاطمه على المقال الإبداعي المؤثر ، استمري في صحيفة الرأي فانا من متابعينها .
(0)
(0)
محمد العتيبي
17/12/2018 في 6:05 ص[3] رابط التعليق
ماشاءالله موفقين في اختيار الكتاب ،قلم جبار ،قرأت المقال عدة مرات لاستوعب جماليته مبهر
(0)
(0)
ابو ربيع
17/12/2018 في 7:23 ص[3] رابط التعليق
اليس هذا جميلا ً .. كفيتي و وفيتي
(0)
(0)
تهاني
23/12/2018 في 11:37 ص[3] رابط التعليق
مقال رائع بموضوعه الذي يعتبر في غايه الاهميه و التركيز على كل النقاط المهمه فعلا ً ..شكرا صحيفة الرأي بحق انتم رائعون
(0)
(0)